الأسير المحرر رزق الرجوب رفيق الأسير البطل حسن سلامة
في حوار خاص عن تجربة السجن الصهيوني
الخليل-خاص بالمركز الفلسطيني للإعلام
أكد الأسير المحرر المجاهد الشيخ رزق الرجوب (42 عاما) الذي أفرجت عنه قوات الاحتلال الصهيونية قبل أسابيع من سجن بئر السبع بعد قضاء فترة حكم دامت نحو ثماني سنوات أنه تعرض لمختلف أنواع التعذيب القاسية والشديدة كما تعرض لمرات كثيرة للعزل الانفرادي لمدة طويلة.
وقال في حوار خاص إن الأسرى في السجون الصهيونية يعيشون ظروفا صعبة للغاية، توجتها مصلحة السجون التي هددت بسحب حقوقهم وتطبيق أسلوب التعامل الذي تستخدمه الولايات المتحدة الأمريكية ضد أسرى القاعدة في معتقل غوانتنامو.
وقال الرجوب الذي اعتقل مع المجاهد حسن سلامة إن الأسرى مقتنعون أن المسار السياسي لا يمكن أن يعيد الحقوق لأصحابها ولن يعيدهم إلى بيوتهم.
وفيما يلي نص الحوار مع الشيخ رزق الرجوب والذي يتناول كيفية اعتقاله وأساليب التعذيب التي تعرض لها وموقف الأسرى من مختلف القضايا.
طريق الآلام.. البدايات
· بداية كيف تصف لنا عملية اعتقالك مع المجاهد حسن سلامة بمدينة الخليل؟
اعتقلنا بتاريخ 17/5/1996م، عندما كنت أستقل سيارة برفقة الأخ الأسير حسن سلامة في حارة الشيخ بمدينة الخليل، فوجئنا بحاجز عسكري يوقفنا، قفز أخي حسن من السيارة وحاول الفرار، فأطلق عليه الجنود الصهاينة النار مما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة نقل على إثرها إلى المستشفى حيث اعتقل أثناء خضوعه للعملية الجراحية.
وكانت هذه اللحظات من أصعب اللحظات.. فقد كنت أجهل مصير المجاهد حسن سلامة بعد إصابته، وفي نفس الوقت أخضع لتحقيق ميداني من قبل جيش الاحتلال الذي قيد يديّ بقيود بلاستيكية شديدة وضيقة أدت إلى حشر الدم ومنع وصوله إلى ما بعد الرسغ وأصبح لونهما أسود وفقدت الإحساس بهما.
وبعد أن تم تقييد يدي انهال جنود الاحتلال علي باللكمات وأعقاب البنادق.. وبعد ضربة شديدة على أم رأسي فقدت الوعي ، ومع ذلك استمر الصهاينة في ضربي.. اشتد القيد البلاستيكي حتى دخل في لحم الرسغ ووصل العظم، وعندما رأى أحد الجنود هذا المشهد اضطروا لقطع القيد، وقاموا بسحبه من اللحم واستغرق إخراجه عدة دقائق. وفي مكان التحقيق حضر الصحفيون وبدأوا التقاط الصور، وبينما أدار أحدهم الكاميرا التي يحملها لكمني جندي بشدة على أنفي مما تسبب في نزيف حاد.
· أين كان هذا التحقيق وكم استغرق من الوقت؟
كان في ذات المكان الذي تم توقيفنا فيه في حارة الشيخ، واستغرق ذلك نحو نصف ساعة، وبعد ذلك نقلوني إلى مقر الجيش في المقاطعة بالخليل قبل الانسحاب الصهيوني منها، ثم نقلوني إلى معسكر "المسكوبية" في القدس، هناك أدخلوني إلى الطبيب عدة دقائق فبينت له المشاكل الصحية التي أعاني منها لكنه لم يعر أي اهتمام لذلك، ثم نقلت إلى جلسة التحقيق التي تمت بوجود عدد كبير من المحققين، الذين انهالوا علي بمختلف أنواع السب والشتائم وتلفظوا بأسوأ الألفاظ.
"لا تحلم بالموت ستبقى تتعذب على هذا الكرسي".
· وما هي أقسى وسائل التعذيب التي استخدمت ضدك؟
بداية وضعوني على كرسي صغير (15سم×15سم)، وتم ربط قدماي فيه من الأسفل واليدين من الخلف وأبقيت على هذا الكرسي نحو نصف ساعة. وخلال هذه الفترة كان الدم ظاهرا على ملابسي من شدة الضرب الذي تعرضت له ، وقال لي أحد المحققين: "على هذا الكرسي أعدمنا عبد الصمد حريزات، وأعدك بالإعدام على نفس الكرسي"، فنظرت له نظرة استفزاز متبسما فلطمني بشدة على وجهي حتى كدت أفقد الوعي وتكسرت مجموعة من أسناني، واستطرد قائلاً "لا تحلم بالموت ستبقى تتعذب على هذا الكرسي". واستمر التعذيب بهذه الطريقة نحو نصف ساعة، وبعد ذلك أوقفوا التعذيب وبدأوا يتحدثون بأسلوب الترغيب كي اعترف بالتهم الموجهة إلي.
وبعد عملية الشبح على الكرسي الصغير وأسلوب الترغيب الذي تلاها، بدء المحققون أسلوب الهز العنيف من العنق، لمدة عشرة دقائق متواصلة حتى أفقد الوعي. وبعد فشلهم في هذا الأسلوب والحصول على أي اعتراف مني تقابل اثنان واحد من الخلف والآخر من الأمام وبدوا يتلاعبون برأسي برميه إلى الأمام والخلف.
وبعد استخدام هذا الأسلوب وضعوني على الأرض مستلقيا ومقيدا وبدأوا يدوسون على جسدي ذهابا وإيابا، كذلك في هذه المرحلة استخدموا معي أسلوب الخنق، حيث قام ثلاثة أشخاص بخنقي معا، الأول قام بالضغط على بطني، والثاني على رقبتي، والثالث أغلق فمي، وكان يستمر الإغلاق نحو ثلاث دقائق، ثم يرفعوا أيديهم معا لثوان بسيطة حتى استنشق الأكسجين، واستمر هذا الأسلوب لنصف ساعة.
نفي الاتهام.. واعتقال سلامة
· وما هي التهم التي وجهت إليك؟
سألوني عن الشخص الذي كان معي وأين كنا نتجه، وقالوا إنهم تلقوا إنذارات بوقوع عملية واتهموني مع حسن سلامة بالمسؤولية عنها وأرادوا مني أن أحدد لهم مكانها فنفيت كل التهم ونفيت علاقتي بحسن سلامة وقلت لهم إنه راكب عادي كان في السيارة، وحتى تلك اللحظة لم أكن أعلم ما مصيره، فعلمت فيما بعد أنه اعتقل من المستشفى بينما كان يخضع لعملية جراحية وتم إيقاظه من التخدير والتحقيق معه بالضغط على مكان العملية الجراحية.
21 يوما في "المسكوبية"
· وهل تناولت شيئا من المشروبات خلال هذه الفترة؟
تركت طوال فترة التحقيق دون طعام أو شراب وذلك من الساعة 12 ليلا وحتى السابعة صباحا. وبعد ذلك أوقفوا التحقيق وأعادوني إلى مقر الجيش في الخليل ثم إلى البيت لإرهاب أطفالي وزوجتي.. بعدها تم نقلي إلى سجن عسقلان وتعرضت أثناء النقل للضرب الشديد، وفي عسقلان رفض مدير السجن استقبالي لوجود آثار التعذيب على وجهي، فطلب بإجراء صورة للوجه للتأكد من سلامة العظم فرفض الجيش، ثم أعادوني إلى سجن "المسكوبية" للتحقيق والتعذيب الذي استمر 21 يوما استخدموا خلالها الشبح لمدة ثمانية أيام متواصلة وهناك تم تقييد أطرافي وتثبيتي على الكرسي الخشبي الصغير مما أدى إلى تفتت اللحم ونزيف الدم.
وخلال الشبح أبقى المحققون على كيس أسود نتن يغطي رأسي، وبخلاف العادة حيث يبقى مفتوحا من الأسفل تم ربطه حتى أفتقد الأكسجين، لذلك أصبحت أضطر لسحب الهواء والتنفس بسرعة حتى أستطيع جلب الهواء من خلال الكيس المغلق. واستمرت هذه الحالة ثلاثة أيام..
5 دقائق راحة فقط !!
· ألم يقدم لك الطعام خلال أيام الشبح؟ وكيف كنت تقضي حاجتك؟
كان الجلادون بعد كل 76 ساعة تعذيب والشبح يعطونني ساعتين فقط للنوم، أما الطعام فكان من النواشف فقط، والمياه كانت غير نقية، وكان يوضع الطعام في الحمام حتى استغل فترة قضاء الحاجة في الأكل أيضا، فيما يكون الشرب من مياه الحمام، وكانت الفترة التي تعطى لي لا تتجاوز 5 دقائق فقط مرتين في اليوم.
· وكيف كنت تؤدي الصلاة؟
لم يسمحوا لي بالوضوء أو الصلاة، وكنت أتيمم وأصلي حسب تقدير الوقت حتى اكتشفت بعد أسبوعين أني كنت أصلي العشاء مع العصر.
تجربة "عسقلان"
· قبل الحديث عن سجن عسقلان.. ألم يقم حينها محامون أو منظمات إنسانية وحقوقية مثل منظمة الصليب الأحمر بزيارتك؟
لم يسمح لي بلقاء المحامي طوال المدة السابقة، كذلك لم يسمح لأية منظمة إنسانية سواء دولية أو محلية بلقائي إلا بعد فترة طويلة في سجن "عسقلان" حيث حضر المحامي فقط ليطلب مني التوقيع على توكيله بتسلم القضية دون أن نتحدث في أي شيء.
· قلت إنه تم نقلك إلى سجن عسقلان ..كيف تصف هذه المرحلة؟
في سجن عسقلان تواصلت جلسات التحقيق بالإضافة إلى الشبح لمدة 75 يوما، حيث استخدمت نفس الأساليب السابقة مع إضافة أصوات موسيقى مزعجة، وألصقت سماعة كبيرة فوق رأسي مباشرة، حتى أصبح كامل جسمي يرج ويهتز من تأثيرها، وإضافة إلى ذلك كنت أتعرض للضرب من المارة من الجيش وشرطة الاحتلال ورشقي بالمياه.
وإضافة إلى الشبح استخدموا معي المكيف لإحداث البرد الشديد، ويليها مباشرة استخدام تدفئة تفوق طاقة تحمل البشر، وطوال هذه المدة كنت وحدي في ساحة الشبح حتى نقلت بعد 21 يوما إلى "عسقلان".
وكانت عملية الشبح في سجن عسقلان تبدأ صباح الأحد وتنتهي مساء الخميس، وكان حبسي يتم في زنازين انفرادية يومي الجمعة والسبت.
أما طريقة المعاملة فكانت سيئة جدا وكان المحققون طوال فترة التحقيق في "عسقلان" و"المسكوبية" (97يوما) يكثرون أمامي من سب الذات الإلهية.
بعد هذه الفترة انتهت فترة الشبح والتحقيق، وبدأت جلسات المحاكم.. وحكم علي بالسجن 8 سنوات بتهمة إيواء مطاردين.
ما بين "المسكوبية" و "عسقلان" و"نفحة" و"بئر السبع" انقضت ثماني سنوات
· وأين قضيت مدة الاعتقال كلها؟
قضت في سجن عسقلان نحو 4 سنوات وفي سجن نفحة نحو 3 سنوات، وأخيرا في سجن بئر السبع نحو عام.
· بعد انتهاء فترة التحقيق ما هي أصعب المراحل التي مررت بها؟
أصعب مرحلة هي فترة التوقيف بسبب تواصل التنقل بين المحاكم، فالأسير عند كل محكمة يعزل لمدة أسبوع دون أن يرى أحدا.
"أيشن".. حيث لا حقوق
· وكيف تصف ظروف المعتقلين الذين تركتهم في سجن بئر السبع؟
أصعب ما في سجن بئر السبع هو سجن ايشن الجديد حيث يوجد به فقط حمام واحد مساحته نحو 80سم×80 سم، مفتوح من الأعلى والأسفل مما لا يسمح بالتستر عند قضاء الحاجة. والمياه في هذا الحمام إما باردة جدا أو حارة جدا.
أما الطعام والشراب فهو قليل ورديء ومن النواشف والمعلبات ، وأصبح عدد كبير من الأسرى يعانون من أمراض المعدة.
· وكم هو عدد المعتقلين في هذا السجن؟ وهل هناك زيارات ولقاءات مع الأهالي؟
السجن به ثلاثة أقسام، وفي كل قسم 44 موقوفا وعدد من المحكومين. أما الزيارات فهي ممنوعة منذ ثلاث سنوات ولا يسمح بلقاء المحامي إلا بوجود حاجز زجاجي سميك به بعض الثقوب.
· وكيف كنت تقضي الوقت طوال السنوات الثماني الماضية؟
بشكل عام يقضي الأسرى وقتهم في البرامج الثقافية وقراءة الكتب ومتابعة البرامج على التلفاز والأنشطة والنزهة والأعمال الخاصة. إلا أن التفتيش الذي يتم أربع مرات في اليوم يقلق الأسرى لما فيه من يتخلله من تنكيل وقمع ومصادرة لأشغال المعتقلين.
الأسرى.. جدران تحجبهم عن الحرية وتحجبهم أيضاً عن ذاكرة السلطة
حدثت خلال فترة اعتقالكم سلسلة افراجات سياسية وإفراج من خلال التبادل، كيف كان موقف الأسرى؟
بالنسبة للافراجات السياسية، انقسم المعتقلون إلى اتجاهين وطني وإسلامي، أما الوطنيون فكانوا متفائلين خاصة الذين لم يشاركوا في عمليات أدت إلى إصابة أو مقتل جنود صهاينة، بالمقابل لم يتوقع الإسلاميون أن يكونوا جزءا من أية صفقة سياسية عن طريق السلطة.
وبشكل عام يرى الأسرى أنهم منسيون من قبل السلطة وأنهم ليسوا في سلم أولوياتها.
التبادل هي الوسيلة الناجعة لتحرير الأسرى
· وما هي الطريقة التي يراها الأسرى مجدية للإفراج عنهم؟
التبادل هي أفضل طريقة يراها الأسرى لإعادتهم إلى بيوتهم، فبعد خطف الجنود الثلاثة من قبل حزب الله قبل عامين ارتفع سقف التفاؤل، واطمأنوا خاصة الذين لم يفرج عنهم بعد أوسلو، لكن عندما بدأوا يشعرون أن الجنود أموات بدأ معدل التفاؤل بالتراجع، وبعد تنفيذ الصفقة والإفراج عن من تبقى لهم عدة أيام أو شهور للإفراج أصابهم الإحباط حتى فقدوا الأمل نهائيا.
حماس الأكثرية
· ما هي المنظمة الفلسطينية الأكثر حظا من حيث عدد المعتقلين داخل السجون الصهيونية؟
العدد الأكبر من المعتقلين ينتمي لحركة حماس بنسة تتجاوز 60%، أما الباقي فهم من مختلف الفصائل الفلسطينية.
غوانتمامو صهيوني..
· تحدثت وسائل الإعلام كثيرا عن انتهاك حقوق الأسرى وسحب الامتيازات منهم..لماذا؟
يوميات الانتفاضة تنعكس على الأسرى والاحتلال الصهيوني ينظر إليهم كمجرمي حرب وقتلة، لذلك بدأ سحب الحقوق من الأسرى شيئا فشيئا خاصة بعد زيارة وفد من مصلحة السجون الصهيونية إلى سجن غوانتنامو.
فعندما عاد وفد مصلحة السجون قالوا إننا نحصل على حقوق أكثر بكثير مما يحصل عليه أسرى غوانتنامو وهددونا بسحب هذه الحقوق منا، وأن يتعاملوا معنا بنفس أسلوب التعامل الأمريكي في غوانتنامو، وفعلا سحبوا بعض الحقوق وصادروا منجزات الأسرى وأصبحوا يقتحمون السجون ويعزلون الأسرى لأتفه الأسباب ويتجاهلون إضراب الأسرى عن الطعام.
وهنا أريد أن أشير إلى أن التعذيب، أصبح ينفذ بقرار قضائي من المحكمة، أي أصبح على المحقق أن يحصل على قرار لمواصلة التعذيب حتى يكون محمي قانونيا لو استشهد الأسير أثناء التحقيق.
كوارث صحية
· بشكل عام كيف تصف لنا الظروف الصحية في السجون الصهيونية؟
الوضع الصحي سيء جدا، هناك عدد من الجرحى في سجون الاحتلال لا يتلقون العلاج، وآخرون يعانون من أمراض مستعصية وبحاجة إلى عمليات جراحة، والعلاج الوحيد في كافة السجون ولمختلف الأمراض هو وصف المسكنات وشرب المياه.
كما أن الأسرى ينتقدون منظمة الصليب الأحمر، لا أذكر مرة واحدة تقدمنا فيها بشكوى أو طلب لممثلي المنظمة وتم تلبيته أوالرد الإيجابي عليه.
أما الزنازين فلا يوجد فيها حمامات ويعطى الأسير ملابس لأسرى آخرين متسخة تنقل الأمراض.
الإضراب جهد كبير.. ومردود ضئيل
· وهل يعتبر الإضراب أداة فعالة لتحقيق مطالب الأسرى؟
يعلن الأسرى الإضراب بعد انقطاع كل السبل، وفي كثير من الأحيان أصبح التجاوب محدودا، كما أن وسائل الإعلام لم تعد تهتم كثيرا بإضرابات الأسرى.
· هل من إضافة أخيرة؟
الأسرى يشعرون أنهم مهمشون إعلاميا ومن قبل المؤسسات الحقوقية التي أصبحت غائبة، ويطالبون بتحسين الاهتمام بهم وظروف اعتقالهم والسماح لذويهم بزيارتهم.
